ولد الفنان عبد القادر مطاع سنة 1940 بمدينة الدار البيضاء في أسرة متواضعة، عرف بين أفراد عائلته بشغفه منذ الصغر بالأنشطة الفنية والثقافية. عاش طفولة مليئة بالتحديات، إذ اضطر للابتعاد عن الدراسة والعمل في عدة مهن صغيرة للمساعدة في تأمين حاجيات الأسرة، إلا أن حبه للفن لم يخفه هذا الواقع الصعب، بل دفعه للاستمرار في تطوير موهبته والتعرف على أسرار الأداء المسرحي.
1
2
3
بدأ اهتمامه الحقيقي بالفن من خلال مشاركته في جمعية الكشافة، حيث تعرف على العديد من الشباب الذين كانوا يمتلكون نفس الشغف بالمسرح والفن. شكلت هذه الفترة نقطة تحول في حياته، إذ اكتسب مهارات أساسية في التمثيل وأساسيات التعبير الجماهيري، وأصبح المسرح بالنسبة له مساحة حرة للتجربة واكتشاف الذات.
مع مطلع الستينيات، انضم عبد القادر مطاع إلى فرقة “المعمورة” التابعة للمسرح الوطني، وبدأ مسيرته الاحترافية على خشبة المسرح. هناك برزت موهبته الفريدة، وتميز بأدائه المتنوع بين الكوميديا والدراما، كما اكتسب خبرة واسعة في التفاعل مع الجمهور وإتقان الحوارات المعقدة. خلال هذه الفترة، شهد المسرح المغربي نقلة نوعية بمشاركة مطاع، حيث ساهم في تقديم عروض مسرحية أثرت المشهد الفني وأسهمت في تطوير الثقافة المسرحية بالمغرب.
توازى نشاطه المسرحي مع انخراطه في عالم الإذاعة، حيث أصبح اسمه مرتبطا بالأداء الصوتي المميز والقدرة على إيصال المشاعر عبر الميكروفون. هذا النجاح قاده لاحقا إلى الشاشة الصغيرة، فشارك في عدد من المسلسلات التلفزيونية التي سجلت تاريخا مميزا، منها “خمسة وخميس” و”ستة من ستين” (1988)، و”ذئاب في الدائرة” (1997)، و”أولاد الناس” (1999)، و”دواير الزمان” (2000)، و”يوم ما يشبه يوم” (2008)، و”دموع الرجال” (2014). تميزت هذه الأعمال بتنوع شخصياته وعمقها، ما جعل الفنان رمزا للجدية والإتقان في الأداء التلفزيوني.
على صعيد السينما، أثبت مطاع نفسه من خلال أفلام تركت أثرها في تاريخ الفن المغربي، منها “وشمة” و”البانضية” (2003) و”لعب مع الذئاب” (2005) و”كلاب الدوار” (2010). امتاز بأداء متعدد الأبعاد، إذ كان ينتقل بسهولة بين الشخصيات الكوميدية والدرامية، مقدما أدوارا تعكس الواقع المغربي بأسلوب مؤثر وجاذب للجمهور.
تميز الفنان عبد القادر مطاع بحياته المتواضعة وشخصيته الهادئة، بعيدا عن الأضواء وحب الشهرة، وكان مثالا للتفاني والاحتراف في كل ما قدمه. كما تميز بقدرته على خلق أجواء ودية مع زملائه في الوسط الفني، وكان ملجأ للشباب الذين يبحثون عن الخبرة والتوجيه في عالم التمثيل.
في السنوات الأخيرة، تراجع ظهور الفنان بسبب تدهور حالته الصحية، إذ فقد البصر، فاختار الابتعاد عن الأضواء ليعيش أيامه الأخيرة بهدوء وكرامة، محافظا على ذكراه الطيبة بين محبيه وزملائه. على الرغم من ذلك، ظل إرثه الفني حاضرا في المسرح والتلفزيون والسينما، وهو إرث يعكس التزامه المستمر بالعطاء والإبداع الذي استمر لأكثر من خمسين سنة.
يبقى عبد القادر مطاع رمزا خالدا للفن المغربي، حيث شكل مرجعية للأجيال الجديدة من الفنانين، وترك إرثا فنيا غنيا يعكس مزيجا من الكوميديا والدراما والاحترافية العالية، ويشهد له الجميع بمكانته الكبيرة في تاريخ الثقافة والفن المغربي.
