ثريا العلوي تعد من أبرز الوجوه النسائية في الساحة الفنية المغربية، وقد استطاعت منذ بداياتها أن ترسخ مكانتها عبر أعمال درامية ومسرحية وسينمائية جمعت بين الأداء المتقن والطرح العميق. بحضورها القوي وقدرتها على تجسيد الأدوار المركبة، صنعت لنفسها مسارا فنيا متفردا اتسم بالتنوع والجرأة في اختيار الشخصيات والمواضيع. لم تكن تجربتها مجرد مشاركة في أعمال فنية، بل شكلت كل محطة من محطاتها لحظة تأمل فني تعبر من خلالها عن قضايا المجتمع وتناقش همومه بشفافية وإحساس.
إلى جانب تألقها الفردي، تشكل شراكتها مع نوفل براوي علامة فارقة في مسيرتها، حيث جمع بينهما الفن كما جمع بينهما الواقع. فقد أسهم هذا الثنائي في تقديم أعمال تحمل بصمة خاصة، تتجلى في الانسجام الذي يميز أداء ثريا العلوي ورؤية نوفل براوي الإخراجية. أعمالهما المشتركة لم تقتصر على التوافق العاطفي أو المهني، بل جاءت نتاج تعاون عميق أسس لتجارب فنية تحمل مضمونا جادا ورسالة واضحة تعكس نبض المجتمع المغربي وتطلعاته.
وقد نجحت ثريا العلوي في الموازنة بين مشاركاتها الفردية وتجاربها الثنائية، حيث واصلت تقديم أدوار تتطلب مجهودا تمثيليا عاليا، وعبرت من خلالها عن قضايا المرأة، الهامش، والانتماء الثقافي. لم تسع يوما للظهور من أجل الظهور، بل كان هدفها الدائم تقديم فن يحمل قيمة ويحترم ذكاء المشاهد. هذه الرؤية الناضجة دفعت بها إلى المشاركة في مشاريع نوعية أكسبتها تقدير النقاد والجمهور على حد سواء.
أما نوفل براوي، فقد أثبت بدوره أنه ليس مجرد مخرج أو ممثل، بل فنان صاحب رؤية فكرية وجمالية تسعى إلى تطوير بنية العمل الفني المغربي. ركز في أعماله على تقديم حكايات تمزج بين الواقعي والرمزي، واستطاع أن يصنع لغة إخراجية قادرة على إثارة الفكر وملامسة العاطفة. بفضل تجربته المتعددة، أتاح الفرصة لعدد من الوجوه الجديدة، وكان عنصرا داعما لمسيرة ثريا العلوي، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل أيضا في اختيار المشاريع التي تشكل إضافة نوعية لمسارها.
التكامل بين ثريا العلوي ونوفل براوي لم يكن لحظة عابرة في تجربتهما، بل اتخذ شكلا مستداما، ظهر في أعمال عبرت عن انسجام بين الأداء والكتابة البصرية. برهنا سويا أن العلاقة الفنية حين تبنى على الاحترام والرؤية المشتركة، تكون قادرة على خلق مشاريع تتجاوز المتوقع وتمنح الجمهور تجربة مشاهدة غنية في بعدها الفني والإنساني. وقد جمعا في أعمالهما عناصر الدراما والتشويق والصدق التعبيري، فكانت النتيجة أعمالا محفورة في ذاكرة الجمهور المغربي.
ما قدمه هذا الثنائي من إبداع مشترك يعد اليوم من العلامات الفارقة في المشهد الفني الوطني، خاصة في زمن يحتاج فيه الفن إلى وجوه تحمل الوعي والموهبة معا. لقد كانت مسيرتهما انعكاسا لرغبة حقيقية في الارتقاء بالذوق الفني، عبر طرح موضوعات تلامس الواقع المغربي دون انزلاق نحو التبسيط أو التكرار. هذه الرؤية الناضجة جعلت من اسميهما مرجعا للباحثين عن الفن الراقي الذي يمزج بين المتعة والتفكير.
من خلال ما راكماه من تجارب، أصبحت ثريا العلوي ونوفل براوي مثالا حيا على أن الالتزام بالفن لا يتنافى مع الإبداع، بل يعززه ويمنحه بعدا إنسانيا وثقافيا. إسهاماتهما شكلت إضافة حقيقية للمشهد الفني المغربي، ورسخت قناعة بأن الفن حين يكون نابعا من الصدق والشغف، فإنه يترك أثرا طويل الأمد، ويسهم في صياغة ملامح هوية ثقافية نابعة من عمق المجتمع.
1
2
3