مسرحية “تخرشيش” تعيد النقاش حول زنا المحارم إلى المشهد المسرحي المغربي

عادت المسرحية المغربية “تخرشيش” لتبرز بقوة على خشبة المسرح المغربي، بعد عرضها الأخير في مسرح سينما إسبانيول بمدينة تطوان، حيث شهد الجمهور تفاعلا لافتا مع مضمون العمل وأداء الممثلين، ما جعل الحدث محط اهتمام واسع. وقد تميزت أجواء العرض بالتركيز والانتباه الشديدين، إذ كانت ردود الفعل واضحة من الحضور الذي لاحظ الجهد الكبير المبذول في نقل موضوع حساس ومثير للجدل بطريقة فنية مهنية. وقد أضافت هذه الأجواء بعدا خاصا لتجربة المسرح، إذ بدا أن الجمهور ليس مجرد متفرج، بل مشارك في رحلة تأملية تهدف إلى فهم معاناة الضحايا والتحديات التي تواجههم في مجتمع يميل إلى الصمت والتجاهل.
وتواصل المسرحية، بقيادة الممثلة المغربية ساندية أبو تاج الدين، تقديم رؤية تمثيلية متقنة، حيث استطاعت أن تجسد معاناة الضحايا بشكل مؤثر للغاية، مستندة إلى أدق التفاصيل النفسية والاجتماعية التي تبرز حجم الصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه هؤلاء الأفراد. وتتنقل المسرحية بين مشاهد مؤثرة تكشف الصمت القاتل للأسرة والمجتمع تجاه قضية “زنا المحارم”، ما يجعل كل مشهد مؤشرا على حجم المعاناة والحاجة إلى الحوار الصريح والوعي المجتمعي. وقد نجحت ساندية في جعل الجمهور يعيش هذه التجربة، ليس فقط كمشاهدين، بل كمشاركين في الشعور بالحزن والصدمة والإنسانية التي تتطلبها معالجة مثل هذه القضايا.
من جهة أخرى، نال الأداء الإخراجي لمريم الزعيمي استحسان الجميع، إذ اعتمدت على أسلوب واقعي دقيق يجمع بين الإضاءة المدروسة والإيقاع المسرحي المتقن، ما ساهم في إبراز الأبعاد النفسية والاجتماعية للموضوع. كما استخدمت الزعيمي العناصر البصرية والموسيقى التصويرية بشكل ذكي لإحداث تأثير مباشر على المشاهد، فكل حركة وكل صمت كانت محسوبة بعناية لتعكس ثقل القضية وأبعادها المختلفة. وقد أثرت هذه المقاربة الإخراجية في تعزيز قوة النص وإضفاء عمق أكبر على تجربة المسرح، حيث تمكن الجمهور من إدراك حجم الأزمة وتأثيرها على الفرد والمجتمع على حد سواء.
وعبر الجمهور عن تقديره لهذه التجربة المسرحية الجريئة، مشيدا بالشجاعة في تناول قضية كانت شبه مغيبة عن التداول العام، ومعتبرين أن العمل تجاوز حدود الترفيه إلى أداة فنية للتوعية والتأمل الاجتماعي. وقد عبر الكثير من الحاضرين عن صدمتهم وتفاعلهم مع الأحداث، مؤكدين أن المسرحية نجحت في فتح باب الحوار حول ممارسات اجتماعية خطيرة تحتاج إلى مواجهة ومسؤولية جماعية، وأن مثل هذه الأعمال الفنية يمكن أن تكون محفزا لتغيير النظرة المجتمعية تجاه قضايا حساسة.
ويأتي عرض “تخرشيش” ليؤكد أن المسرح المغربي قادر على الجمع بين البراعة الفنية والبعد الاجتماعي، فهو يقدم أداء متكاملا يتيح للجمهور استكشاف الواقع الاجتماعي بطريقة مباشرة، مع دفعهم إلى التفكير في أبعاد القضية ومعانيها العميقة. ويبرهن العمل على أن الفن يمكن أن يكون صوتا للضحايا ووسيلة لطرح قضايا مسكوت عنها، ما يعزز دور المسرح كفضاء ثقافي حيوي يساهم في نقل رسائل إنسانية واجتماعية هامة.
ومن المتوقع أن تنتقل المسرحية إلى مدن مغربية أخرى، بعد النجاح الكبير الذي حققته وردود الفعل الإيجابية التي أبدتها الجماهير، حيث اعتبرت هذه التجربة خطوة مهمة نحو إلقاء الضوء على قضية تتطلب مواجهة واضحة ومسؤولة. ويبدو أن جمهور المسرح المغربي مستعد لاستقبال أعمال أكثر جرأة وعمقا، ما يجعل “تخرشيش” نموذجا فنيا واجتماعيا يحتذى به في المستقبل ويعزز الحوار حول القضايا المغيبة في المجتمع.

1

2

3

مسرحية "تخرشيش" تعيد النقاش حول زنا المحارم إلى المشهد المسرحي المغربي