تصريحات بنكيران عن المرأة تعيد النقاش حول الأدوار التقليدية وتحديات تمكين النساء في المغرب

بينما يسعى المغرب الرسمي إلى ترسيخ صورة بلد منفتح يولي أهمية لحقوق المرأة ويعمل على تعزيز حضورها في مختلف الميادين، أعاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، النقاش إلى نقطة الصفر من خلال موقف اعتبره كثيرون رجعيا ومتعارضا مع هذا المسار الوطني. فقد أثار حديثه الأخير في لقاء حزبي بمدينة أكادير موجة استياء عارمة، خصوصا بعدما دعا النساء إلى ترك مقاعد الدراسة ومجال الشغل والانخراط بدل ذلك في مشروع الزواج، الذي وصفه بالخيار الأنسب لهن.
تصريحات بنكيران، وإن بدت عفوية في ظاهرها، فقد حملت في طياتها رسائل عميقة تعكس نمطا تفكيريا يهيمن على بعض المرجعيات السياسية المحافظة، حيث ما زالت المرأة ترى من منظور تقليدي يقيد أدوارها ضمن حدود الأسرة والبيت. وهذا التوجه يتصادم بشكل مباشر مع ما راكمته المملكة خلال السنوات الأخيرة من مكتسبات تتعلق بتمكين النساء وتعزيز مساهمتهن في التنمية المجتمعية.
ولا يمكن اعتبار ما قاله رئيس الحكومة السابق مجرد هفوة لغوية أو زلة لسان عابرة، بل إن كلامه جاء منسجما مع رؤية أيديولوجية تقوم على تقسيم صارم للأدوار الاجتماعية، الأمر الذي يعيد إنتاج التصورات القديمة حول المرأة ويقوض مبدأ المساواة الذي يكفله الدستور المغربي. وهو ما يعكس وجود فجوة واضحة بين خطاب الدولة التقدمي وبين ما يتبناه بعض الفاعلين السياسيين من مواقف محافظة.
وقد سجل المغرب، منذ تعديل دستوره سنة 2011، توجها واضحا نحو ترسيخ مبدأ المناصفة ومناهضة التمييز، ورافق هذا التحول القانوني خطوات عملية تمثلت في دعم تمدرس الفتيات بالعالم القروي، وتوسيع تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة والمناصب العليا. غير أن صدور تصريحات تنتمي لزمن تقليدي من قبل شخصية لها وزنها السياسي، يطرح تساؤلات ملحة حول مدى الالتزام الفعلي بهذه التوجهات الإصلاحية.
وتبرز الإشكالية الكبرى حين ندرك أن مثل هذه المواقف لا تمثل فقط رأيا شخصيا، بل تكشف عن صراع بنيوي بين الإرادة الرسمية لتحديث المجتمع وبين ثقافة راسخة في بعض الأوساط السياسية والاجتماعية، لا تزال تنظر إلى المرأة ككائن تابع يجب توجيهه وتحديد خياراته الحياتية. وهو ما يعيدنا إلى النقاش الحساس حول العلاقة بين المرجعية الدينية والتشريع المدني، ومدى قدرة المجتمع على الحسم في هذه الجدليات دون المساس بحقوق الأفراد.
أما ما يزيد من حدة الموقف فهو أنه يأتي في سياق مغربي عام يشهد تطورات إيجابية في مجال حقوق النساء، تدعمها التوجيهات الملكية ومطالب الحركات النسائية التي ناضلت لعقود من أجل كسر القيود الاجتماعية والثقافية التي تكبل المرأة. وهذا ما يجعل من تصريحات بنكيران تحديا غير مباشر لمجهودات عديدة انخرطت فيها الدولة والمجتمع معا لإرساء قيم الإنصاف والمواطنة الكاملة للنساء.
ووسط هذا الجدل المتصاعد، من المنتظر أن تشهد الساحة موجة من الانتقادات من قبل جمعيات نسائية وناشطات حقوقيات، ممن يعتبرن أن مثل هذه التصريحات تمس من كرامة النساء وتنتقص من تجاربهن ومساهماتهن المجتمعية. كما أن النقاش المطروح اليوم من شأنه أن يسلط الضوء مجددا على حدود تدخل السياسيين في الحياة الخاصة للأفراد، وعلى الحاجة الملحة للفصل بين الأخلاق الشخصية وبين الخيارات القانونية التي تحكم العلاقات داخل المجتمع المغربي.

1

2

3

تصريحات بنكيران عن المرأة تعيد النقاش حول الأدوار التقليدية وتحديات تمكين النساء في المغرب