رحلت الفنانة المغربية القديرة نعيمة سميح عن عالمنا مساء يوم الجمعة-السبت، مخلفة وراءها إرثاً فنياً لا يُنسى وجمهوراً مخلصاً أحب صوتها العذب وإحساسها المرهف. وقد جاءت وفاتها بعد صراع طويل مع المرض، لترحل عن عمر يناهز 71 عاماً، تاركة حزناً عميقاً في قلوب محبيها الذين نشأوا على أنغامها، وزملائها الفنانين الذين عبروا عن صدمتهم وألمهم برحيلها، مؤكدين أنها ستبقى دائماً رمزاً للطرب المغربي الأصيل.
حزن الوسط الفني المغربي على فقدان أيقونة الغناء لم يكن عادياً، بل عبّر العديد من الفنانين عن تأثرهم الشديد بهذه الخسارة الكبيرة. الفنانة لطيفة رأفت، التي كانت من أشد المعجبين بالراحلة، نشرت تدوينة مؤثرة على صفحتها في فيسبوك، حيث عبرت عن حزنها بقولها: “عزاؤنا واحد في رحيل سيدة الطرب المغربي، العزيزة التي لن تُنسى، لالة نعيمة سميح”. كما أجمعت كلمات المعزين على أن وفاتها تمثل خسارة لا تعوّض، وأن أغانيها ستظل محفورة في ذاكرة المغاربة، لتبقى خالدة رغم غيابها الجسدي.
أما الفنان والممثل رشيد الوالي، فقد نعى الراحلة بكلمات صادقة عبر تدوينة على حسابه، قائلاً: “علمت من الفنان يونس ميكري بوفاة المطربة نعيمة سميح، تغمدها الله برحمته وأسكنها فسيح جناته… رحمك الله سيدتي، وستظل أغانيك حاضرة نستمع إليها كلما شعرنا بالحنين للماضي الجميل”. وأضاف الوالي في تدوينة أخرى: “لم أكن من أصدقاء الراحلة نعيمة سميح، لكني كنت من أشد المعجبين بفنها وأدائها. كان صوتها يحمل بصمة فريدة، ببحة دافئة يمكن تمييزها من بين كل الأصوات النسائية. نظرتها كانت مزيجًا من الحزن والتواضع، الخجل والرقة، العفوية والأنوثة. لم تكن تحتاج إلى بهرجة أو تصنّع لتأسر القلوب، فقد كانت ببساطة نعيمة، مغربية في كل شيء، لا تشبه أحدًا”.
مسيرة نعيمة سميح الفنية لم تكن عادية، بل كانت استثنائية بكل المقاييس، فقد ولدت في الدار البيضاء عام 1954 ونشأت في بيئة مليئة بالموسيقى والطرب. استطاعت بفضل صوتها الدافئ وإحساسها المرهف أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة بين كبار الفنانين، حيث أدت أغانٍ خالدة أصبحت جزءاً من الذاكرة المغربية، مثل “جريت وجاريت”، و”ياك أجرحي”، و”الصيادة”. لم تكن مجرد مغنية، بل كانت مدرسة فنية قائمة بذاتها، جسّدت معاني الصدق والوفاء للفن بعيداً عن ضوضاء الشهرة ومتطلباتها الزائفة.
الحديث عن نعيمة سميح لا يمكن أن يقتصر على إنجازاتها الفنية فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل شخصيتها الراقية التي جعلت منها نجمة محبوبة ومتواضعة في الوقت نفسه. فقد اختارت الصمت والانسحاب في زمن الميوعة والبحث عن الأضواء بأي ثمن، فكانت مثالاً لفنانة تحترم جمهورها وتقدّر فنها. لم تسعَ يوماً وراء الشهرة السريعة، بل فضلت البقاء وفية لمبادئها، وهو ما جعلها تكسب القلوب دون مجهود، وتحافظ على مكانتها كرمز للطرب المغربي الأصيل.
رحيلها يمثل خسارة كبيرة للساحة الفنية، لكن أعمالها ستظل باقية، تروي قصة زمن جميل لم يكن فيه الفن مجرد صناعة، بل كان إحساساً صادقاً ورسالة نبيلة. فرحيل الجسد لا يعني الغياب، لأن الفنان الحقيقي يظل خالداً بأعماله وصوته، ونعيمة سميح كانت ولا تزال صوتاً يسكن في وجدان المغاربة. عزاؤنا لعائلتها، لابنها، ولكل من أحبها وعشق فنها، ولكل من ترجم حزنه اليوم بفقدانها.
1
2
3