يحمل فيلم “نوبة العشاق” المشاهد المغربي إلى أعماق تاريخية غنية تمتد من أواخر القرن الخامس عشر إلى مطلع القرن السادس عشر، ليقدم رؤية فنية تمزج بين المعرفة والمشاعر والمصائر المعقدة. ويركز العمل على شخصية حماد، الشاب الحرفي الذي يجد نفسه محاصرا بين الطموح العلمي ومتطلبات السلطة، في وقت شهد المغرب تحولات كبيرة بعد سقوط الأندلس وامتداد موجة الهجرة الثقافية والفكرية.
تدور أحداث الفيلم حول حياة حماد اليومية في حي قديم ينبض بالموسيقى والحياة، قبل أن تتغير مجرى حياته بشكل مفاجئ حين يكلف بصنع أسطرلاب بحري لمغامر برتغالي. وتضعه هذه المهمة أمام تحديات معرفية وعلمية كبيرة، ما يجعله يعود إلى الدراسة مجددا ويقضي فترة من العزلة في بيت صديقه المخلص لإكمال المشروع، في إطار يعكس التوازن بين الشغف الشخصي والمسؤولية المهنية.
تتصاعد الأحداث بشكل مأساوي بعد سرقة الأسطرلاب ووقوع جريمة قتل غامضة تودي بحياة صديقه، فتنهار حياة حماد وينقل إلى المارستان حيث يجد في الموسيقى ملاذا للروح والذاكرة. وخلال جلسة رسمية بجامعة القرويين، يتمكن حماد من كشف الملابسات وتبرئة نفسه، ما يعيد الاعتبار للقيم العلمية والحرفية والحب في الوقت ذاته، ويبرز قوة الإنسان في مواجهة الظلم والصعاب.
يضم العمل طاقما متنوعا من الممثلين الذين أضفوا على الشخصيات أبعادا إنسانية غنية، من بينهم إدريس الروخ وزكرياء الحلو وعبد الحق بلمجاهد، إلى جانب سناء العلوي وعبد الرزاق بنعيسى وسعيد باي، ما ساهم في تقديم أحداث متشابكة ومؤثرة، ورفع مستوى التشويق الدرامي من خلال علاقات الشخصيات المعقدة والصراعات الداخلية لكل منها.
يلعب ربيع القاطي دور حماد بالغالي، العالم الشاب القادم من الأندلس بعد سقوط إمارة غرناطة، ضمن موجة هجرة شملت المثقفين والأدباء والفلاسفة والعلماء المغاربة. ويكشف الفيلم عن إنجازاته العلمية، لا سيما تطويره للأسطرلاب البحري الذي ساعد المستكشفين البرتغاليين على الوصول إلى أراض جديدة، ما يبرز الدور المغربي في إثراء المعرفة والاكتشاف العالمي خلال تلك الفترة.
أما إدريس الروخ فيجسد شخصية الزناتي، وزير الداخلية المكلف بالأمن في عهد الوطاسيين، والذي يواجه صراعات نفسية واجتماعية أثناء التحقيق في جريمة قتل الشاب قاسم، إلى جانب متابعة قضايا السرقة والاستغلال التي تؤجج التوترات بين المسؤولين والمبعوثين الإسبان والبرتغاليين. وتتطور الأحداث مع صدور أمر السلطان بفتح تحقيق شامل، ليظهر صراع متواصل بين المعلم فرج المسؤول عن المارستان وشخصيات مثل خناتة وحماد وسلام، ضمن رحلة للكشف عن الحقيقة وراء اختفاء إدريس ومقتل قاسم والنمس، ما يزيد الأحداث درامية ويشد انتباه المشاهد.
يصنف “نوبة العشاق” ضمن الأعمال التاريخية التي تسلط الضوء على فترة الأندلس ما بين القرن الخامس عشر والسادس عشر، مقدما سردا متماسكا يمزج بين الأحداث التاريخية والرحلات الإنسانية للشخصيات، ليأخذ المتلقي في رحلة عبر الزمان والمكان. وقد جرى تصوير المشاهد في مدينة مراكش، مستفيدا من المواقع التاريخية مثل قصر الباهية، ما أضفى على العمل واقعية وجمالية تضيف عمقا للفترة التاريخية التي يعرضها الفيلم.
1
2
3