عرفت الممثلة المغربية سارة بيرليس بمسيرة سينمائية متنوعة حققت من خلالها شهرة واسعة في أعمال عالمية، إذ استطاعت أن تفرض حضورها بأداء صادق بلغ صداه خارج حدود الوطن. ورغم هذا النجاح الذي يحسب لها على المستويين الفني والاحترافي، فإن حياتها الشخصية كانت تخفي صراعات داخلية شديدة التعقيد بسبب التباس شعورها بالانتماء.
في حوار صريح جمعها بالإعلامية شهرزاد عكرود، فتحت سارة قلبها وسلطت الضوء على مرحلة طويلة من حياتها رافقها فيها اضطراب عاطفي وهووي، حيث ظلت تتخبط في تساؤلات وجودية حول هويتها الحقيقية، ما جعلها في حالة بحث دائم عن نقطة توازن تجمع بين خلفياتها الثقافية المتعددة.
ولدت سارة في فرنسا من أم مغربية وأب برتغالي، لكنها قضت جزءا مهما من طفولتها في إسبانيا، الأمر الذي زاد من تداخل المرجعيات داخلها. وبين جنسية فرنسية وجذور شمال إفريقية وملامح أوروبية، عاشت الممثلة إحساسا دائما بالتيه وكأنها لا تنتمي إلى أي مكان بشكل تام، وهو ما شكل جرحا داخليا لم يكن سهلا تجاوزه.
حين تتحدث عن طفولتها، تصفها سارة بأنها كانت مرحلة مربكة، إذ لم تكن تملك أجوبة تقنع بها من حولها أو حتى نفسها حين تسأل عن هويتها. فقد كانت تشعر بأنها تتنقل بين الهويات دون أن تستقر في إحداها، وتجد نفسها غريبة أينما حلت، سواء في البرتغال أو فرنسا أو المغرب، حيث كانت تصطدم بأحكام مسبقة تلاحقها في كل بيئة.
كشفت بيرليس أن رحلاتها المتكررة إلى البرتغال لم تكن تمنحها الإحساس بالانتماء، بل كانت تقابل فيها كغريبة عن البلاد. وعندما تزور المغرب، يراها البعض من فئة المهاجرين العائدين من الخارج، بينما في فرنسا توصف بلغة تهمش أصولها. هذا التناقض جعلها تعيش ازدواجية شعورية مؤلمة، وتجد نفسها مضطرة للدفاع عن كيانها في كل محطة تمر بها.
ورغم هذه المشاعر المتناقضة، تؤكد سارة أن المغرب كان هو الأرض الوحيدة التي منحتها شعورا بالاستقرار الداخلي، حيث وجدت فيه دفء الانتماء وصدق المشاعر. لقد أحست فيه بشيء يشبه العودة إلى الذات، فقررت عن قناعة أن تتصالح مع ملامحها وتفتخر بجذورها المغربية دون مواربة.
تقول سارة إن طريقها نحو المصالحة مع ذاتها لم يكن سهلا، بل تطلب منها صبرا ووعيا بأهمية الغوص في تفاصيل الثقافة المغربية التي أصبحت تراها مرآة تعكس حقيقتها. ومع مرور الوقت، أدركت أن الهوية لا تختزل في أوراق رسمية أو مكان ميلاد، بل تولد من العلاقة العاطفية مع اللغة والعادات والتاريخ الذي نحمله في أعماقنا.
1
2
3