تحمل مناسبة عاشوراء في المغرب طابعا خاصا يجمع بين البهجة والتراث، حيث تتحول الأسواق الشعبية والمراكز التجارية إلى فضاءات حيوية تعج بالأسر الباحثة عن مستلزمات الاحتفال. ويتصدر مشهد هذه المشتريات “الطعريجة” المغربية، التي تشكل عنصرا أساسيا في طقوس هذه المناسبة ذات الطابع الاحتفالي. وتغمر أجواء الغناء والفرح بيوتنا وأحياءنا، ويعلو صوت الأطفال والنساء بأهازيج تقليدية متوارثة ترتبط بهذه الآلة الإيقاعية ذات الحمولة الثقافية العريقة.
تمثل الطعريجة أكثر من مجرد آلة موسيقية، فهي جزء لا يتجزأ من هوية عاشوراء المغربية، ورمز من رموز الاحتفال الشعبي. ومع اقتراب هذا الموعد السنوي، تزداد وتيرة الإقبال عليها من مختلف الأعمار، حيث يقبل المغاربة على شرائها لإحياء طقوسهم بطريقتهم الأصيلة. وقبل أن تصل هذه الآلة إلى أيدي الزبناء، تمر بمراحل معقدة ومتشعبة، يحرص الصناع التقليديون على إتقانها والالتزام بها، مما يبرز غنى الحرفة ودقتها وارتباطها الوثيق بالذاكرة الجماعية.
ويعد دوار الحشالفة، الواقع في تراب جماعة أولاد احسين جنوب مدينة الجديدة، أحد أهم المراكز المتخصصة في صناعة الطعريجة، حيث تتكاثف الجهود الحرفية لإنتاج هذه الآلة بأشكال وأحجام متنوعة. ويشكل هذا الدوار قبلة للتجار القادمين من مختلف المدن المغربية لاقتناء منتوجات الحرفيين الذين توارثوا هذه الصناعة أبا عن جد. وتعرض الطعاريج لاحقا في الأسواق، لتشكل زينة احتفالات عاشوراء داخل البيوت المغربية وخارجها.
أكد مصطفى أبو معروف، رئيس تعاونية “خير الفخار”، أن الحشالفة يعد مركزا فريدا لصناعة الطعريجة على الصعيد الوطني، إذ يشتغل في هذا القطاع أزيد من مائة صانع تقليدي يبدعون في تصميم قوالب الطعاريج وتحضيرها طيلة السنة. ويتم الاعتماد على تربة معينة تجلب من ضواحي آسفي، حيث تفتت وتنقع وتترك لتتخمر قبل أن يتم تجفيفها وتشكيلها داخل قوالب مناسبة حسب التصميم المطلوب، باستخدام آلات تدوير خاصة.
ويشرح أبو معروف أن عملية التصنيع لا تقتصر فقط على تشكيل القوالب، بل تمر كذلك بمراحل متعددة تشمل التجليد والتلوين والزخرفة، وهي مراحل تنفذ من قبل حرفيين آخرين يتوزعون على المهام حسب تخصصاتهم. ويشارك في هذه العملية رجال ونساء وشباب، حيث تسند لكل فئة مهمة محددة، بدءا من تحضير الطين إلى حين تحويله إلى آلة موسيقية مزخرفة تنبض بالحياة. وتتعاون مختلف الأطراف لخلق منتوج يزاوج بين الجمالية والدقة ويحافظ في الوقت ذاته على طابعه التقليدي.
من جهة أخرى، يرى رشيد جياط، المكلف بالتعاونيات بالمديرية الإقليمية للصناعة التقليدية بالجديدة، أن قطاع الفخار يمثل ركيزة اقتصادية محلية ذات أثر كبير، ليس فقط من حيث تشغيل اليد العاملة، بل أيضا في خلق دينامية اقتصادية شاملة. وتسعى المديرية الإقليمية، بمعية شركاء آخرين، إلى مرافقة الحرفيين وتشجيعهم على تأسيس تعاونيات مهنية متخصصة، وتنظيم دورات تكوينية تروم تطوير مهاراتهم وتمكينهم من مواكبة التغيرات التي يعرفها السوق.
وفي إطار تجديد أدوات الإنتاج، تم تخصيص غلاف مالي هام من قبل الوزارة الوصية لدعم الحرفيين، حيث جرى اقتناء أفرنة تعمل بالغاز بدل الأفرنة التقليدية، مما يسهم في تحسين ظروف العمل وضمان جودة المنتوج. وقد استفاد عدد من الفخارين من هذه المعدات، إذ تم توزيع دفعة أولى من 16 فرنا، ويجري التحضير لتوزيع دفعة ثانية تشمل 9 أفرنة أخرى، في إطار سياسة تهدف إلى عصرنة القطاع دون المساس بخصوصيته الثقافية.
لا تزال الطعريجة تحظى بمكانة بارزة في قلوب المغاربة، وترافق احتفالاتهم وأفراحهم في مختلف المناسبات، حيث تبعث روح البهجة في النفوس وتعيدنا إلى زمن الطفولة والبراءة. وتعتبر هذه الصناعة اليدوية شاهدا حيا على إبداع الإنسان المغربي وحرصه على صون موروثه الشعبي، في تكامل واضح بين الأصالة والمهارة، وبين الفن والاحتفال.
1
2
3