رغم محاولاته الخجولة لطرح مواضيع متعلقة بالهوية والرموز الثقافية، لم يستطع المسلسل المغربي “عين الإبرة” أن يترك بصمة واضحة في الساحة الفنية، إذ بدا وكأنه يمر مرور الكرام بين الأعمال الدرامية المعروضة خارج الموسم الرمضاني. فالمشاهد لم يتفاعل مع حبكته كما كان منتظرا، ولم ينجح في خلق ذلك التفاعل الفني أو النقاش الجماهيري المعتاد، على الرغم من تسليطه الضوء على رمزية القفطان المغربي، خصوصا في فترة احتدت فيها الحملة ضد محاولة تزوير هذا الزي المغربي من طرف أطراف خارجية.
يتألف هذا العمل من خمس عشرة حلقة ويبث حاليا عبر القناة الثانية، بعد تأجيلات متكررة أخرت انطلاقه. وقد تم عرض حلقته الأولى خلال شهر رمضان، إلا أن حضوره لم يرق إلى مستوى التوقعات، إذ ظل باهتا مقارنة مع أعمال أخرى استطاعت جذب المتفرج وخلق موجة اهتمام ملحوظة. وعلى امتداد الحلقات، وبدلا من أن تتصاعد نسب المتابعة، تراجعت بشكل ملحوظ دون أن يجد مكانا ضمن لائحة الأعمال التي تحظى بالاهتمام النقدي أو التقييم الفني.
وقد تم تصوير مشاهد المسلسل في مدينة مراكش، في فترة تزامنت مع تصاعد الجدل بخصوص التشويش على التراث المغربي من خلال محاولات نسب القفطان إلى ثقافات أخرى. ومن هنا، جاءت فكرة المسلسل كنوع من الرد الفني أو التوثيق الدرامي الذي يسلط الضوء على مراحل صناعة هذا الزي التقليدي وأهمية الحفاظ عليه كموروث يحمل دلالات رمزية للمجتمع المغربي.
يقدم العمل شخصيات متعددة تتقاطع مساراتها حول مهنة الخياطة، فتتقاطع قصصهم في عالم الموضة والمنافسة الإبداعية. وتجسد الممثلة ماريا للواز دور عايدة، شابة تنتمي لأسرة ميسورة، ورثت مهنة التفصيل عن أجدادها، لتجد نفسها فجأة في مواجهة سلسلة من التحديات التي تهدد ثقتها بنفسها، وتضع مسيرتها على المحك، رغم تميزها السابق في هذا المجال.
ومن خلال هذه الشخصيات، يعكس المسلسل هشاشة الحدود بين النجاح والخذلان، خاصة عندما تتداخل العوامل النفسية مع ضغوط خارجية قادمة من منصات التواصل الاجتماعي، إذ يتم تناول التأثير السلبي لهذه الوسائل على العاملين في قطاع الموضة، سواء عبر حملات التشهير أو الاستفزازات الرقمية التي قد تجهض طموحات عدد من المبدعين وتؤثر في صورتهم العامة.
ويشارك في هذا العمل ثلة من الفنانين المعروفين مثل سعيد باي، زينب عبيد، سعد موفق، حاتم عبد الغفور وعبد العزيز بوزاوي، حيث يحاول كل واحد منهم نقل رؤية المخرج إلى الشاشة عبر شخصيات تنتمي لبيئة تقليدية تزخر بالتفاصيل الدقيقة لحرفة الخياطة المغربية، وبتعابير فنية تسعى إلى تعزيز صورة القفطان كمفخرة وطنية.
ويأتي هذا المسلسل امتدادا لأعمال سابقة حاولت الانتصار للتراث المغربي، من قبيل “حرير الصابرة” و”الرحاليات”، إذ سعت هذه الإنتاجات إلى إبراز الملامح الجمالية للأزياء التقليدية والمعمار المغربي من خلال سينوغرافيا تستحضر أصالة المدن العتيقة وتاريخها العريق، مما يمنح هذه المسلسلات بعدا توثيقيا بصريا يلامس ذاكرة المتفرج.
وقد سبق لعدد من المخرجين المغاربة التعبير عن قلقهم من حملات التشويش التي تطال الرموز الثقافية الوطنية، فاختاروا توظيف الفن كوسيلة للدفاع عن الهوية. وبينما ينتظر الجمهور إطلاق أعمال درامية أخرى تناولت الموضوع نفسه، يبقى الرهان قائما على مدى قدرة هذه الأعمال في الوصول إلى القلوب قبل العيون، في زمن أصبح فيه التأثير مرهونا بسرعة الانتشار وشدة التفاعل.
1
2
3