يمثل القفطان المغربي أكثر من مجرد زي تقليدي، فهو قطعة فنية تحمل بين طياتها تاريخا عريقا وروح الهوية المغربية الأصيلة، ويعكس براعة الحرفيين ومهاراتهم في دمج الجمال مع الأصالة. ارتداء القفطان لم يقتصر على المناسبات الرسمية فقط، بل أصبح رمزا للمناسبات الاجتماعية والثقافية، حيث يتألق في حفلات الزفاف والمهرجانات الدينية، ويبرز مكانة مرتديه بين أفراد المجتمع.
1
2
3
يمتاز هذا الزي بتنوع تصاميمه وألوانه الزاهية، كما تنتقل معرفة خياطة القفطان وتقنيات التطريز الخاصة به عبر الأجيال، من الأم إلى الابنة ومن المعلم إلى التلميذ، ما جعله إرثا حيا لا ينقطع يعكس الهوية المغربية بكل تفاصيلها الدقيقة والفنية.
أصول القفطان المغربي وتطوره عبر العصور:
ترتبط جذور القفطان المغربي بالقرن الثاني عشر في عهد الدولة الموحدية، عندما سعى السلاطين إلى تصميم زي رسمي يليق بمقامهم الرفيع ويجسد مكانة المملكة المغربية على مستوى الفخامة والرقي. وقد تم ابتكار القفطان عبر مزج تصاميم تقليدية للقبائل المغربية مع منسوجات السفيفة والعقاد المصنوعة في مدينة فاس، التي عرفت على مر القرون بصناعة النسيج الفاخر والأقمشة الرفيعة.
هذا المزج الفني بين الأسلوب القبلي والتقاليد الحضرية أخرج زيا يجمع بين الهيبة والجمال، ليصبح القفطان مرجعا للأزياء المغربية التقليدية على مستوى كافة المناسبات الرسمية، كما ساهم في الحفاظ على الحرف اليدوية التي تميز المدن المغربية مثل فاس ومراكش وتطوان، ويعكس مكانة المغرب الثقافية والفنية أمام العالم.
أنواع القفطان المغربي وتفاصيل كل تصميم:
قفطان الخريب الفاسي: يعد واحدا من أكثر القفاطين فخامة، بطوله الممتد وأكمامه الواسعة التي تمنح ارتداءه رونقا خاصا، ويزين بالسفيفة والعقاد والمضمة التقليدية التي تضيف لمسة من الفخامة الملكية. ويصنع عادة من ثوب البروكار الأصفر الفاخر، ويشتهر بسعره المرتفع نظرا لجودته وحرفية صناعته، ما يجعله الخيار الأمثل للمناسبات الكبرى التي تتطلب تألقا وجمالا متفردا.
قفطان النطع الفاسي: يعتبر إرثا حقيقيا من التراث المغربي، إذ يأتي بطول كامل وأكمام طويلة، ويصنع من ثوب “الموبرا” الأخضر الملكي. ويطرز بخيوط ذهبية دقيقة تظهر براعة الحرفيين في فن التطريز، ويجمع بين الفخامة الملكية والأناقة التقليدية، ما يجعل ارتداءه في المناسبات الرسمية والعائلية تجسيدا حيا للتقاليد المغربية العريقة.
القفطان الملكي المخزني: مرتبط ارتباطا وثيقا بالأسرة الملكية المغربية، ويتميز بالقصات الفصفاضة التي تمنح من يرتديه الهيبة والجاذبية. يرتدى مع المضمة والزينة التقليدية، ويعتبر رمزا للفخامة والملكية، كما أنه يحتفظ بمكانته في الاحتفالات الرسمية والفعاليات الوطنية ويعكس صورة المغرب الحضارية والمتجددة عبر العصور.
قفطان الحاج عمر التطواني: اشتهر في مدينة تطوان، ويصنع من ثوب خاص يحمل اسم الحاج عمر، ويتميز بحزام البروكار الذي يمنحه رونقا وأناقة لا مثيل لها. ويعد هذا القفطان عنصرا أساسيا في زي العروس التقليدي، ويبرز جمال المرأة المغربية ويؤكد مكانة تطوان التاريخية في صناعة القفطان وتطويره.
قفطان البهجة الفاسي: يشتهر في مدينتي فاس ومراكش، ويصنع من ثوب مزركش بألوان زاهية وزهور بارزة، ويكتمل بتزيينه بالسفيفة والعقاد التقليدية. هذا النوع من القفطان يعكس أجواء الاحتفال والفرح، ويجمع بين الروح التقليدية والإبداع في استخدام الألوان والتصاميم، مما يمنحه جاذبية كبيرة ويجعل من ارتدائه تجربة فنية تجمع بين الثقافة والموضة المعاصرة.
قفطان أسملال الأمازيغي: يمثل الثقافة الأمازيغية في منطقة سوس، ويأتي بألوان الأحمر أو الأخضر أو الأصفر، ويطرز بالنمط السوسي التقليدي الذي يعكس مهارة الحرفيين المحليين. هذا القفطان قطعة أساسية في اللباس الأمازيغي، ويؤكد قدرة المجتمعات المغربية على الحفاظ على التراث الثقافي والمهارات التقليدية التي تنتقل من جيل إلى جيل، مع تعزيز الهوية المحلية والفخر بالتراث الأصيل.
الانتشار العالمي للقفطان المغربي:
شهد القفطان المغربي شهرة واسعة على المستوى الدولي خلال السنوات الأخيرة، بفضل جهود المصممين المغاربة الذين حافظوا على الطابع التقليدي وأضفوا عليه لمسات عصرية مبتكرة. أصبح القفطان حضورا أساسيا في عروض الأزياء العالمية والمجلات المتخصصة، حيث يجمع بين التراث المغربي والفن الحديث في تصميم متقن، ما جعله رمزا للأناقة والتميز.
وقد تمكن من جذب اهتمام مصممي الأزياء العالميين والمهتمين بالتراث، ليصبح قطعة مفضلة في المهرجانات والمعارض العالمية، ويؤكد قدرة المغرب على إبراز تراثه الفني أمام العالم.
اعتماد القفطان المغربي كتراث ثقافي عالمي:
اعتمدت لجنة صون التراث الثقافي اللامادي التابعة لليونسكو القفطان المغربي كتراث ثقافي غير مادي عالمي، بعد تقديم المغرب ملفا شاملا أظهر التاريخ العريق للزي وفنون التطريز ومهارات الصنعة التقليدية. ساهمت الجهود المشتركة بين وزارة الثقافة والمندوبية الدائمة للمملكة لدى اليونسكو في إبراز الخصائص الفنية التي تجعل من القفطان عنصرا ثقافيا أصيلا.
وقد جاء الملف بعنوان “القفطان المغربي فن وعادات ومهارات”، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية، ليؤكد التنوع الثقافي والحرفي الذي تحافظ عليه المجتمعات المغربية عبر القرون، ويبرز الدور التاريخي للقفطان في تعزيز الهوية الوطنية وإيصالها للعالم كله.