تشكل بانوراما السينما المغربية إحدى أبرز فعاليات الدورة الثانية والعشرين لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، حيث تتيح فرصة لإبراز ثراء المشهد السينمائي المحلي وتطوره المستمر. وتجمع هذه الفقرة بين الأصالة والانفتاح الفني، مقدمة رؤية شاملة لعالم السينما المغربية الذي يتفاعل مع التحولات الاجتماعية والثقافية.
تضم البانوراما تسعة أعمال متنوعة بين الروائي والوثائقي، تأخذ المشاهد في رحلة عبر أماكن وتجارب مختلفة، وتثير تساؤلات حول الهوية والذات والمجتمع. كما تفتح هذه الأفلام أبوابا للتفكير في مستقبل السينما المغربية وإمكانات صناعها في المساهمة بالحوار الفني محليا وعالميا.
يبرز فيلم “أوتيستو” للمخرج جيروم كوهين-أوليفار، الذي يضم نخبة من الممثلين المغاربة بينهم لبنى أبيضار وإسماعيل أبو القناطر ويوسف بوقرة وساندية تاجدين. ويقدم الفيلم مشاهد متشابكة بين العوالم النفسية والاجتماعية، مع معالجة إنسانية دقيقة تمتزج فيها اللغة السينمائية بالفهم العميق للشخصيات.
من جهة أخرى، يأتي الفيلم الوثائقي “من يراقبون” للمخرجة كريمة السعيدي، ليقدم صورة حميمية عن الجاليات المغربية بالخارج، مع التركيز على الثقة والمراقبة والانتماء في عالم سريع التغير. وتسلط الكاميرا الضوء على علاقات إنسانية دقيقة، ما يجعل الفيلم نافذة لفهم التحولات الثقافية والاجتماعية خارج المغرب.
وفي العرض العالمي الأول، يقدم المخرج كريم الدباغ فيلمه الوثائقي “بعيون مغربية”، الذي يسترجع الذاكرة الثقافية للمغرب من خلال شهادات فنانين وكتاب مثل بول بولز ومحمد شكري ومحمد المرابط. ويعتمد الفيلم رؤية فنية وإنسانية تعيد تركيب السرد البصري بطريقة غنية بالرموز والدلالات، بعيدا عن مجرد التوثيق التاريخي.
كما يعرض فيلم “النمل” للمخرج ياسين فنان، الذي يتناول صراعات شخصيات متعددة تحاول النجاة في بيئة اجتماعية مضطربة. ويجسد العمل تجارب إنسانية مختلفة من خلال أداء ممثلين مثل ماريم ندياي ونادية كندة وهشام السلاوي ومنصور بدري وماجدولين الإدريسي، مقدما دراما متشابكة وواقعية.
في المقابل، يواصل فيلم “موفيطا” لمعدان الغزواني أسلوب السينما المغربية في التقاط تفاصيل الحياة اليومية، حيث يجمع بين الفكاهة والمرارة لمعالجة قضايا اجتماعية معاصرة. أما فيلم “ميرا” للمخرج نور الدين الخماري، فيقدم رؤية جمالية حادة لعالم مضطرب، متشابك العلاقات ومليء بالتحديات الإنسانية.
وفي إطار العروض العالمية، يقدم الفيلم الهولندي-المغربي “رف الأمتعة” لعبد الكريم الفاسي، الذي يروي قصة مهاجر مغربي يعيش أزمة ذاكرة وحنينا إلى وطنه. ويظهر في البطولة كل من أحلام تغدويني والمحجوب بن موسى ومحمد شعرة، مقدما تجربة سينمائية تجمع بين الوجدانيات الفردية والقضايا المجتمعية.
تعكس هذه البانوراما التحولات الجمالية والفكرية في السينما المغربية، فهي لا تكتفي بعرض أفلام متميزة، بل تبرز غنى التجربة وتعدد اتجاهاتها بين البحث في الجذور والتطلع إلى المستقبل. وتؤكد الأعمال المعروضة قدرة السينما المغربية على المزج بين التقاليد والحداثة في مقاربة موضوعاتها المتنوعة.
تؤكد الأفلام المشاركة أن السينما المغربية تجاوزت حدودها المحلية، وأصبحت صوتا فنيا حاضرا على المستوى الدولي، بفضل تنوع المواضيع وشجاعة المخرجين وثراء الرؤى السينمائية. ويظهر مهرجان مراكش من خلال هذه البانوراما أن الفن السابع في المغرب يعيش مرحلة ازدهار تؤهله ليكون عنصرا فعالا في الثقافة المغربية المعاصرة وجسرا للحوار مع الذات والعالم.
1
2
3