يعد محمد خيي واحدا من أعمدة الفن المغربي، حيث راكم تجربة فنية غنية تمتد لعقود، جسد خلالها أدوارا متنوعة بين المسرح والتلفزيون والسينما، وتمكن بفضل موهبته من بناء شخصية فنية أصيلة تجمع بين التواضع والاحترافية. اشتهر خيي بتقمصه المتقن للشخصيات المركبة، واستطاع أن يترك بصمته في كل دور أداه، مما جعله من الفنانين القلائل الذين يحظون باحترام الجمهور والنقاد على حد سواء.
وفي سياق عودته القوية إلى شاشة السينما، شارك محمد خيي في عمل جديد شكل منعطفا في مسيرته، إذ قدم فيه شخصية مختلفة تتحدى الصور النمطية، وتنفتح على أبعاد اجتماعية ونفسية عميقة. هذا الدور أتاح له التعبير عن قضايا معقدة ترتبط بالهوية الأسرية والتحولات المجتمعية، من خلال أداء يتميز بالسخرية الذكية والصدق الفني.
العمل أخرجه وأنتجه عبد الإله زيرات، الذي اختار أن يعالج الصراعات بين الأجيال بلغة سينمائية تجمع بين الكوميديا السوداء والدراما الواقعية. تدور أحداث القصة حول علاقة متوترة بين أب وابنه، يضطران إلى خوض رحلة غير متوقعة تكشف عن هشاشة الروابط الأسرية، وتحمل المتفرج إلى مواقف ساخرة لكنها محملة بالدلالات والمعاني العميقة.
أداء محمد خيي اتسم بالكثافة والمرونة، إذ أظهر جوانب جديدة من موهبته، بعيدا عن الأدوار التقليدية التي اعتاد تقديمها. وقد وظف خبرته الطويلة ليعكس تعقيد الشخصية التي يلعبها، في انسجام تام مع الإخراج الذي سعى إلى إظهار التناقضات النفسية والاجتماعية التي يعيشها الفرد المغربي في ظل التحولات السريعة.
شارك في هذا العمل نخبة من الممثلين المعروفين، من بينهم رفيق بوبكر، عبد الصمد مفتاح الخير، نجاة خير الله، وسعيد ضريف، ما أضفى على المشاهد طابعا جماعيا يعكس تفاعل الشخصيات وتنوع وجهات النظر. كما تم تصوير المشاهد بين مدينتي الدار البيضاء وابن سليمان، حيث شكلت الخلفيات الطبيعية والحضرية عنصرا بصريا داعما للرسالة الدرامية.
هذا العمل السينمائي يندرج ضمن موجة جديدة تسعى لإحداث توازن بين الجاذبية الجماهيرية والطرح الجاد، عبر تناول مواضيع قريبة من واقع المواطن المغربي بلغة فنية مبتكرة. وتظهر فيه رغبة صادقة في تقديم سينما ترفيهية ذات بعد فكري، دون السقوط في السطحية أو الابتعاد عن خصوصيات المجتمع المحلي.
من خلال هذه التجربة، يثبت محمد خيي مرة أخرى أنه فنان قادر على مواكبة التحولات الفنية والتفاعل مع قضايا مجتمعه برؤية ناضجة وأسلوب مغاير. ويؤكد أن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإعادة قراءة الواقع، وتقديمه في قالب إبداعي يجمع بين المتعة والتأمل.
1
2
3