برزت سلمى الشدادي لأول مرة على الشاشة المغربية من خلال مشاركتها في السلسلة الكوميدية الشهيرة “لالة فاطمة”، حيث جسدت شخصية “هدى”، ابنة الفنانين الراحلين خديجة أسد وسعد الله عزيز. وقد عرفت هذه السلسلة نجاحا باهرا جعل منها واحدة من أكثر الأعمال متابعة في تاريخ التلفزيون المغربي، حيث تميزت بروحها العائلية وأسلوبها البسيط الذي لامس واقع الأسرة المغربية، وهو ما منح سلمى شهرة كبيرة رغم صغر سنها آنذاك.
غير أن المفاجأة الكبرى جاءت بعد انتهاء عرض السلسلة، حيث اختارت سلمى الشدادي أن تبتعد نهائيا عن الساحة الفنية، تاركة خلفها علامات استفهام كثيرة حول سبب اختفائها. ورغم أن العمل استمر في تحقيق نسب مشاهدة عالية حتى بعد سنوات من بثه، بفضل إعادة عرضه عدة مرات، فإن سلمى لم تعد للظهور في أي مشروع فني، ما زاد من حيرة الجمهور الذي ارتبط بها عاطفيا عبر شخصية “هدى” المحبوبة.
مرت السنوات دون أن يسمع لسلمى أي حضور في الإعلام أو الساحة الفنية، حتى عادت صورها للظهور مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أحدث ضجة واسعة بين المتابعين. فقد بدت مختلفة كليا عن الصورة التي احتفظ بها الجمهور في ذاكرته، إذ غير الزمن ملامحها الطفولية لتظهر بوجه أكثر نضجا وهدوءا. وقد عبر عدد من المعلقين عن دهشتهم من هذا التحول، خاصة بعد سنوات من الغياب التام عن الساحة الفنية والشاشة.
خلف الكواليس، كانت سلمى تبني مسارا فنيا مختلفا عن عالم التمثيل. فقد ولدت سنة 1984 بمدينة الدار البيضاء، وبعد حصولها على شهادة الباكلوريا، غادرت المغرب نحو العاصمة الفرنسية باريس لتلتحق بالمعهد العالي للفنون، إحدى أبرز المؤسسات المتخصصة في السينما والفنون البصرية. وهناك تابعت تكوينا أكاديميا في مجال الإخراج السينمائي على مدى خمس سنوات، ما مكنها من اكتساب أدوات احترافية جديدة لصقل موهبتها من زاوية إبداعية مختلفة.
بعد تخرجها من المعهد، بدأت سلمى الشدادي تشتغل بصمت كمخرجة، وحرصت على أن تظل أعمالها بعيدة عن الطابع التجاري. وقد أخرجت عدة مشاريع فنية تنوعت بين الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية، حيث اختارت المواضيع الاجتماعية والإنسانية لتكون محور إنتاجها. ووصل رصيدها الفني حتى الآن إلى اثني عشر عملا سينمائيا مستقلا، نفذ أغلبها بجهود فردية أو بدعم محدود، وشارك بعضها في مهرجانات فنية أوروبية ومحلية، وهو ما يؤكد استمرار ارتباطها بالفن رغم ابتعادها عن التمثيل.
ما يميز مسار سلمى الشدادي هو هذا الانتقال السلس من الطفولة الفنية إلى النضج الإخراجي، فقد اختارت أن تصنع لنفسها مسارا خاصا دون الاعتماد على شهرتها السابقة. لم تبحث عن الأضواء أو الظهور الإعلامي، بل فضلت التفرغ لجوهر الفن والتعبير الإبداعي عن قضايا عميقة بأسلوب هادئ ومتفرد. وهذا ما جعل تجربتها مثار احترام لدى العديد من المهتمين بالسينما المستقلة والفن الراقي.
رغم صمتها الطويل وابتعادها التام عن الساحة، عادت سلمى لتشغل حديث الجمهور من جديد، لكن هذه المرة عبر صور عفوية تظهر ملامحها الجديدة، وتذكر الناس بذلك الوجه الذي أحبوه في طفولتهم. وبين تلك الذكرى البصرية القديمة والطريق الفني الذي اختارته، تثبت سلمى الشدادي أنها فنانة حقيقية آثرت الإبداع على الشهرة، واختارت العمق على السطحية، فكانت عودتها مفاجئة، ولكنها مفعمة بالإلهام.
1
2
3


