بين الصوت والجسد في الغناء الشعبي المغربي:
1
2
3
تُعد الأغنية الشعبية المغربية ظاهرة فنية متكاملة، لا تقتصر على الكلمات والألحان فقط، بل تمتد لتشمل جسد الفنان بكل تفاصيله. المغني الشعبي ليس مجرد صوت، بل هو آلة موسيقية حية، تتناغم مع حركات جسده وتستفيد من كل جزء فيه في تقديم هذا الفن الفريد. فنجد الرأس يتناغم مع الحنجرة، والأقدام تتمايل مع الإيقاع، لتصبح الأغنية جزءًا من أداء جسدي متكامل. ربما في المستقبل القريب، قد نشهد مغنيين يستخدمون أعضاء جديدة كالأذنين أو الركبتين ضمن هذا الإبداع المتجدد!
عبد العزيز الستاتي: عندما يتحول الرأس إلى أداة إيقاعية:
لنبدأ مع الفنان عبد العزيز الستاتي، الذي غيّر قواعد الغناء المغربي. هذا الفنان الكبير الذي قرر أن يتخطى مفهوم الغناء التقليدي ويشمل الرأس في أدائه، ليصبح المايسترو الذي يقود الإيقاع بينما يكتفي الصوت بتتبعه. الستاتي قدم لنا نموذجًا جديدًا حيث يتحول الرأس إلى آلة موسيقية، ليصبح عنصرًا أساسيًا في الأداء الفني. هذه الخطوة الجريئة تفتح الباب أمام تطوير أشكال جديدة من الأداء، حيث لا يكون الصوت هو العنصر الوحيد المُتداول.
مغيث: غناء باستخدام الأقدام: نقلة فنية مبتكرة”
أما الفنان مغيث، فقد قرر أن يخرج عن المألوف أيضًا، وأخذ خطوة غير مسبوقة بتقديم نوع جديد من الغناء باستخدام قدميه. بهذه الطريقة، أسس لمفهوم فني جديد يجمع بين الصوت والحركة بطريقة مبتكرة. إن المغني هنا لا يقتصر على استخدام صوته أو جسده بأكمله فقط، بل يجعل الأقدام جزءًا لا يتجزأ من التكوين الموسيقي. قد تثير هذه الفكرة بعض التساؤلات حول ما إذا كانت هناك أدوات جديدة ستدخل في عالم الغناء الشعبي في المستقبل، مثل المرفق أو الركبة!
زينة الداودية: عبقرية قراءة الجمهور وتواصله العاطفي:
الفنانة زينة الداودية، بدورها، ليست فقط مغنية، بل هي عالمة نفسية غير معترف بها في “علم التواصل العاطفي”. فبجانب صوتها المميز، تمتلك قدرة فريدة على استشعار احتياجات جمهورها قبل أن يدركها هو بنفسه. ففي أغنيتها الشهيرة “قولو ليها تنساني”، تمكنت من صياغة كلمات تعكس حالة عاطفية معقدة، مما جعلها تصبح جزءًا من التراث الشعبي المغربي. الداودية بذلك لا تقدم مجرد أغنية، بل تلامس مشاعر الجمهور بشكل يفوق المتوقع.
أولاد البوعزاوي: المزيج بين التراث والإبداع اللا متناهي:
أما فرقة أولاد البوعزاوي، فيُعتبر فنهم نموذجًا غير تقليدي يدمج بين الطابع الشعبي التقليدي والتطور الموسيقي المعاصر. عروضهم لا تقتصر على العيطة التقليدية، بل تتداخل مع إيقاعات جديدة تُشعر المستمع بأنها لغة موسيقية غير قابلة للتفسير، كما لو أن الموسيقى تنتقل بين العوالم. هذه الفرقة تُمثل حالة فنية نادرة تمزج بين الحاضر والماضي، فتخلق توازنًا بين الموروث الثقافي والفن الحديث.
نحو آفاق جديدة في الأغنية الشعبية المغربية:
وبين هذه التجارب الفنية المدهشة، لا يسعنا إلا أن نتساءل: أين سيأخذنا هذا الإبداع؟ هل سنشهد مغنيين يستخدمون أذانهم أو حواجبهم في المستقبل؟ ماذا عن الركبتين؟ الحقيقة أن الأغنية الشعبية المغربية ستظل دائمًا في طليعة الإبداع الفني، حيث لا يقتصر هذا الفن على الصوت أو الكلمات فقط، بل يتطور ليشمل جسد المغني بأسره في تناغم لا مثيل له.