بدأت مدينة مراكش احتفالاتها السينمائية بإشعاع خاص مع انطلاق الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم، حيث ازدانت القاعة الكبرى بأجواء فنية راقية جمعت بين الضيوف وصناع السينما من مختلف البلدان. وامتلأ المكان بطاقة إبداعية رفيعة، بعدما تم تقديم أعضاء لجنة التحكيم والاحتفاء بالفنان المصري حسين فهمي الذي حصل على تكريم مميز تقديرا لمسيرته الثرية. وقد بدا هذا الحدث بمثابة فرصة تؤكد استمرار المهرجان في ترسيخ مكانته كجسر يجمع الثقافات ويكرس الحوار بين التجارب السينمائية العالمية.
وتجلت لحظة التكريم حين اعتلى حسين فهمي المنصة لتسلم درع الاحتفاء من الفنانة يسرى، حيث عبر بكلمات صادقة عن امتنانه للعاهل المغربي الملك محمد السادس وللأمير مولاي رشيد، مشيرا إلى سعادته الكبيرة بالعودة إلى فضاء فني شارك في بداياته منذ سنوات طويلة. كما أوضح أن لقاءه بزملائه من بلدان شتى يشكل مصدر فرح لا يوصف، مؤكدا أن ما يميز مهرجان مراكش هو روحه الإنسانية وقدرته على جمع محبي السينما في أجواء احتفالية دافئة.
وتحدث الفنان عن ارتباطه العميق بمدينة مراكش التي احتضنت جزءا من خطواته الأولى في المجال السينمائي، إذ شهدت تصوير فيلم “دمي ودموعي وابتسامتي” الذي شكل محطة بارزة في مساره. واعتبر أن العودة إلى المدينة لتلقي التكريم تمثل لحظة تتجاوز قيمتها الجانب الاحتفائي، لأنها تعيد إليه ذكريات البدايات وتمنحه شعورا بالوفاء بين الماضي والحاضر. وقد شكر الجمهور والمشاركين بحماس كبير، معتبرا أن حرارة الاستقبال تعكس المكانة التي يحظى بها الفن داخل هذا المهرجان.
ويرى متتبعون للشأن السينمائي أن حسين فهمي استطاع منذ ظهوره الأول أن يشكل حالة خاصة تجمع بين الجاذبية والقدرة على أداء أدوار متعددة بتلقائية رفيعة. وتمكن عبر مسيرته الممتدة لأكثر من خمسين عاما من تقديم أعمال تركت بصمتها في الذاكرة الجماعية، إذ استطاع الانتقال بين الكوميديا والدراما بسهولة، كما خاض تجارب في الإخراج والإنتاج جعلت منه أحد أبرز الوجوه المؤثرة في السينما العربية. وقد ساهم هذا التنوع في ترسيخ حضوره كأحد رموز الفن الذين يواصلون إشعاعهم في وجدان الجمهور.
وشهدت منصة التكريم حضور ثلاثة أسماء رائدة في السينما العالمية والوطنية إلى جانب حسين فهمي، وهي جودي فوستر وغييرمو ديل تورو والفنانة المغربية راوية. وقد جاء الاحتفاء بهم اعترافا بمساراتهم الغنية وما قدموه من أعمال ارتقت بالسينما ووسعت آفاقها، مما يعكس توجه المهرجان نحو تكريم التجارب المتنوعة التي أثرت الشاشة الكبيرة على مر السنين. ومن خلال هذا التنوع تتجلى رؤية مراكش في جعل الفن منصة للالتقاء والتبادل الثقافي.
كما تم تقديم لجنة التحكيم التي يترأسها المخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو، حيث عبر عن إعجابه بالطاقة الإبداعية التي تسود المهرجان وبما راكمه من أثر في الساحة السينمائية طيلة سنواته المتعاقبة. وأكد في كلمته أن هذه الدورة تمثل فرصة لاكتشاف رؤى جديدة يقدمها صناع أفلام من مختلف الدول، معتبرا أن الأعمال المشاركة تمنح مساحة واسعة للتجريب والتجديد. ويشارك في اللجنة عدد من المخرجين والممثلين من ثقافات متنوعة، مما يعزز روح الحوار التي يقوم عليها المهرجان.
وتضم البرمجة الحالية اثنين وثمانين فيلما موزعة على أقسام متعددة تعكس ثراء الإنتاج السينمائي العالمي، حيث تشمل عروضا احتفالية لأعمال بارزة، إضافة إلى قسم “آفاق” الذي يستضيف تجارب جديدة واعدة، وقسم “القارة الحادية عشرة” الذي يقدم أفلاما روائية ووثائقية تتميز بجماليات مبتكرة. كما يولي المهرجان اهتماما خاصا للسينما المغربية من خلال قسم “بانوراما السينما المغربية” الذي يعرض سبعة أفلام وطنية.
ويمنح المهرجان كذلك مساحة موجهة للأطفال والعائلات عبر برنامج سينمائي يضم مجموعة مختارة من الأعمال التي تهدف إلى تقريب الفن السابع من الأجيال الجديدة، بما يعزز علاقتهم بالسينما ويمنحهم فرصة لاكتشاف متعة المشاهدة في أجواء عائلية. وتساهم هذه الفقرات المختلفة في صياغة دورة فنية متكاملة تنبض بالحيوية وتبرز قدرة مراكش على احتضان الإبداع من كل الجهات.
1
2
3