مالك أخميس يكشف عن مساره الفني وتفاصيل الغياب وموقفه من تأثير المؤثرين على التمثيل

يعتبر الفنان المغربي مالك أخميس أحد الأسماء التي صنعت لنفسها موقعا متفردا في عالم الفن، بفضل اختياراته الدقيقة وأسلوبه الهادئ في التعامل مع الأضواء. لم تكن بدايته الفنية محكومة بمخطط مسبق، بل جاءت نتيجة تقاطع غير متوقع بين مساره الأكاديمي وتنامي حبه للمسرح. فقد ترعرع في حي درب السلطان، حيث أنهى مراحل دراسته الأولى، ليتجه بعدها إلى كلية الآداب في بن مسيك، وهناك بدأت شرارة المسرح تشتعل بداخله، رغم تعلقه السابق بالرياضة وخاصة كرة القدم.
شكلت مشاركته في المهرجان الجامعي الدولي للمسرح بوابة عبوره إلى عالم الركح، تحت إشراف العميد حسن السميلي. التحاقه بفرقة مسرحية طلابية سمح له بالتعرف على مكونات العمل المسرحي من ورشات وتحضيرات، مما منحه فضاء رحبا للتعبير عن ذاته واستكشاف قدراته الفنية. ومن هناك، بدأ وعيه الفني يتشكل تدريجيا، متخذا من الخشبة فضاء للتأمل والتجريب.
لاحقا، قاده الطموح إلى فرنسا، حيث التحق بعدد من المعاهد المتخصصة، منها مدرسة “Théâtre du Soleil”، وشارك في عروض مسرحية مختلفة ضمن فرق معروفة. وقد كان لتجربته بالخارج أثر بالغ في صقل أدواته الفنية وتوسيع أفقه الإبداعي، غير أن الحنين إلى الوطن لم يفارقه، فقرر العودة إلى المغرب، باحثا عن بداية جديدة داخل بيئة مألوفة. وعند عودته، كانت أولى محطاته من خلال عمل تلفزيوني لعب فيه دورا بسيطا، لكنه ترك أثرا لدى الجمهور، وفتح له أبواب السينما بعد لقائه بالمخرج حسن بنجلون.
أكد أخميس أن الفن بالنسبة له ليس مسارا مفروشا بالورود، بل طريق تتخلله مطبات وصعوبات تتطلب صبرا وشغفا. لكنه، رغم كل ذلك، يرى في التمثيل ملاذا يمنحه فرصة عيش حيوات مغايرة، ويحرره من رتابة الواقع. كما شدد على أن اختياره للأدوار ينبني على أساس القيمة المضافة التي تقدمها الشخصية داخل العمل، وليس على حجم الدور، مشيرا إلى أن بعض الأدوار الثانوية قد تكون أكثر تأثيرا من أدوار البطولة إن أتقنت كتابتها وتمثيلها.
وفي معرض حديثه عن الجرأة في التمثيل، أوضح أن الجرأة الحقيقية هي التي تحمل رسالة وتعكس واقعا بصدق، لا تلك التي تستخدم للفت الانتباه فقط. فهو، كما قال، لا يتهرب من أداء أدوار معقدة أو مثيرة للجدل، طالما أنها تخدم السياق وتفتح المجال لطرح أسئلة ضرورية. وأشار إلى أن من بين الأدوار التي شكلت له تحديا نفسيا كان دوره في فيلم “وراء البحر”، لما احتاجه من تقمص عميق بعيد عن شخصيته الواقعية.
ورغم قلة ظهوره على الشاشة الصغيرة، أرجع مالك أخميس هذا الغياب إلى غياب الدعوات المناسبة، مؤكدا أنه لا يسعى وراء الظهور العابر، بل يفضل انتقاء ما يتناسب مع قناعاته الفنية. وأضاف أن السينما، على عكس التلفزيون، وفرت له فرصا أكثر نضجا وتجريبا، مشيرا إلى تطورها الملحوظ في السنوات الأخيرة على مستوى المواضيع والمعالجة.
وفي سياق تقييمه للمشهد الفني الحالي، عبر عن استيائه من تراجع حضور رواد التمثيل لصالح أسماء برزت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر أن تعويض الممثلين المحترفين بالمؤثرين يضعف من جودة الأعمال، إذ يرى أن الموهبة والتكوين هما الأساس، رافضا الاعتراف ب”أشباه الممثلين” الذين يفتقرون إلى أبسط أدوات التمثيل، ومشددا على ضرورة تنظيم المجال الفني بقوانين تحمي مبدأ الاستحقاق وتمنح لكل فنان مكانته.
أما عن تأثير الشهرة على حياته، فأكد أن بريق الأضواء لم يؤثر على خياراته الشخصية، لأنه لا يبحث عن الظهور، بل عن اللحظة الصادقة التي يمنحها له التمثيل. وعبر عن رغبته في أداء أدوار لم تتح له بعد، منتظرا الوقت المناسب لتجسيدها. كما وجه شكره لمحبيه الذين يحيطونه بدفء التقدير والدعم، معتبرا أن هذا الحب يمثل له طاقة معنوية لا تقدر بثمن.
يبقى مالك أخميس صوتا فنيا نقيا وسط ضجيج الساحة، فنانا لا يساوم على القيم ولا يركض خلف العروض السطحية، بل ينحت مسيرته ببطء ووعي، مؤمنا بأن قيمة الفنان تقاس بما يتركه من أثر، لا بعدد مرات ظهوره.

1

2

3

مالك أخميس يكشف عن مساره الفني وتفاصيل الغياب وموقفه من تأثير المؤثرين على التمثيل