في خطوة تعكس التقارب الثقافي والسياحي بين الشرق الأقصى وشمال إفريقيا، تشهد مدينة طنجة تحركا إعلاميا غير مسبوق، نتيجة اختيارها كموقع لتصوير حلقات جديدة من البرنامج الصيني الشهير “المطبخ الصيني”، الذي يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة داخل الصين وخارجها. إذ حلت بعاصمة البوغاز نخبة من أشهر نجوم الشاشة والغناء في الصين، يتقدمهم الممثل المعروف دينغ يو شي، والمغنية فيكي شياو، إلى جانب الفنان وانغ جونكاي، ضمن تجربة تلفزيونية تتمحور حول الطبخ والتفاعل الثقافي.
وبالاعتماد على فضاء المدينة القديمة، وتحديداً عند منطقة “باب العصا”، أنشئ مطبخ صيني مؤقت سيمتد نشاطه لثلاثة أسابيع، سيتولى خلالها الفنانون الصينيون مهمة إعداد أطباق مختارة، وتقديمها لزوار من مختلف الجنسيات، ممن يتابعون هؤلاء النجوم ويعشقون عوالمهم الفنية. وقد صُمم هذا المطعم ليمثل نقطة التقاء بين النكهات الآسيوية وروح الضيافة المغربية، مع إدماج لمكونات محلية يتم اقتناؤها من أسواق طنجة الشعبية.
وقد وقع الاختيار على المغرب، وتحديداً طنجة، بعد بحث مستفيض عن وجهة تمزج بين الجمال الطبيعي والثراء الثقافي، حيث أكد المسؤولون عن البرنامج أن سحر المدينة القديمة وجاذبيتها المعمارية لعبا دوراً حاسماً في اختيارها، لما توفره من طابع أصيل يتماشى مع أهداف البرنامج الذي بدأ بثه سنة 2017 عبر قناة هونان الصينية. ويهدف هذا البرنامج إلى خلق تجربة ترفيهية توثق لثقافات متعددة من خلال المطبخ، في إطار من الواقعية والبساطة.
وسيتم تصوير تفاصيل الحياة اليومية للمشاركين بشكل متواصل، حيث يتابع الجمهور كل تحركاتهم، سواء داخل المطعم أو خارجه، كما ستنقل العدسات لحظات اقتناء المنتجات الطازجة من الأسواق، والتواصل مع السكان المحليين، وحتى التفاعل باللغة الإنجليزية في بعض الأحيان، مما يعكس طابعاً إنسانياً وتفاعلياً يتجاوز فكرة الطهي إلى تبادل حضاري بين ثقافتين متباينتين جغرافياً ومتقابلتين في العمق الإنساني.
كما يُرتقب أن تترك هذه التجربة أثراً مباشراً على القطاع السياحي المحلي، على غرار ما شهدته مدينة كولمار الفرنسية التي استضافت نسخة سابقة من البرنامج، حيث ارتفعت وتيرة السياحة الصينية بشكل ملحوظ عقب بث الحلقات، مما أدى إلى مئات طلبات التأشيرات الأسبوعية. وينتظر أن تعرف طنجة هي الأخرى إقبالاً لافتاً من الزوار، لا سيما بعد أن تطل على ملايين المشاهدين داخل الصين من خلال البرنامج.
وسيمنح هذا المشروع فرصة نادرة لتعريف الجمهور الصيني بجمالية المغرب وتنوعه الطبيعي والثقافي، إذ لا يقتصر التصوير على المطبخ فحسب، بل يشمل أيضاً لقطات بانورامية للمدينة، ومشاهد طبيعية من الجبال والبحر، إلى جانب زيارات محتملة لمدن أخرى ولقاءات مع الطهاة المحليين، مع التركيز على تقديم أطباق مغربية أصيلة مثل الكسكس والطاجين والبسطيلة، التي ستثير إعجاب الذوق الصيني بلا شك.
وتبدو هذه الخطوة بمثابة جسر ثقافي متين يُعزز حضور المغرب في خارطة السياحة العالمية، ويفتح أمام طنجة أبواباً جديدة للاهتمام الدولي، حيث تلتقي التجربة الفنية بالعمق الحضاري، وتُسلَّط الأضواء على مدينة لم تفقد بريقها، بل وجدت من يكتشفه من منظور مختلف، ومن يقدمه للعالم عبر لغة الطبخ والمشاعر.
1
2
3