الفيلم المغربي “خارج التغطية” رحلة كوميدية تعكس التحديات الاجتماعية للأسرة المغربية

يعد فيلم “خارج التغطية” للمخرج لطفي آيت الجاوي من الأعمال السينمائية التي تلامس واقع الحياة المغربية بشكل حميمي وذكي. يقدم الفيلم نظرة جديدة على قضايا اجتماعية معاصرة، ويسلط الضوء بشكل خاص على التحديات التي تواجهها الأسرة المغربية في ظل التغيرات التكنولوجية الحديثة. تدور أحداث الفيلم حول العلاقة المعقدة بين الأجيال المختلفة، وتأثير وسائل التواصل الرقمي وألعاب الفيديو على تلك العلاقات.

1

2

3

يتميز الفيلم بمزيج فريد من الكوميديا الاجتماعية والدراما، حيث يحافظ على عمقه الاجتماعي دون أن يفقد طابعه الكوميدي المريح. يطرح الفيلم قضايا تتعلق بالتقارب والابتعاد بين أفراد الأسرة بسبب تأثير التكنولوجيا، ويعرض الصورة بشكل مرح، بحيث يكون محط جذب للجميع من كبار وصغار. يقدّم المخرج رؤية شاملة لأهم القضايا المعاصرة، مثل الضغوط النفسية التي يعاني منها الأشخاص في المدن الكبرى وتأثيرها على حياتهم العائلية، في إطار سردي يجمع بين الواقعية والكوميديا.

في الفيلم، ينتقل المخرج بين مشاهد المدينة الصاخبة وضغوطها إلى مشاهد البادية المغربية الهادئة، مما يبرز التباين الكبير بين أسلوب الحياة في المدينتين. مشاهد الطبيعة الخلابة التي تظهر في منطقة بين سليمان تأخذنا إلى عالم مختلف مليء بالهدوء والسكينة، ما يعزز الفكرة التي يرغب المخرج في إيصالها: الحياة تتطلب أحيانًا العودة إلى الجذور البسيطة لتجد التوازن الداخلي والسكينة.

الفيلم يعتمد بشكل رئيسي على التباين بين الحياة العصرية في المدينة والحياة التقليدية في الريف، حيث تتسارع وتيرة الحياة في الأولى، بينما تتسم الثانية بالبطء والتأمل. هذا التباين لا يظهر بشكل مباشر، بل يتم إدماجه بعناية في تفاصيل الحياة اليومية وتصرفات الشخصيات. تتطور الأحداث عبر مواقف كوميدية، ولكنها تحمل في طياتها رسالة عميقة حول أهمية التواصل الحقيقي داخل الأسرة وتأثير العالم الرقمي على العلاقات الإنسانية.

تجتمع في الفيلم مجموعة متميزة من الفنانين المغاربة الذين يمتازون بالخبرة والقدرة على تقديم أدوار مميزة. من بين هؤلاء الفنانين نجد مونى فتو، عزيز خطاب، سعاد علوي، لينة أكدور، مهدي البشتاوي، رضوان كينانة، نور البشتاوي، وبشرى ملاك. يجمع هؤلاء النجوم بين الحضور القوي والمواهب الشابة، مما يعطي الفيلم طاقة تمثيلية نابضة بالحياة، حيث يؤدي كل منهم دوره ببراعة تجذب الانتباه وتدفع القصة إلى الأمام.

السيناريو الذي كتبه كل من بشرى ملاك ونور البشتاوي، يقدم معالجة سينمائية سلسة للواقع، حيث يعكس ببراعة واقع الأسرة المغربية وتحدياتها في ظل التقدم التكنولوجي. المواقف التي يجسدها السيناريو تحمل ملامح من الحياة اليومية للمشاهدين، وتستند إلى مواقف قد يمر بها الكثيرون، مما يجعل الضحك نابعًا من مواقف مألوفة. ويكتسب العمل قوته من أسلوب الكتابة الذي يجعل من السهل التعاطف مع الشخصيات وفهم تطور أحداث الفيلم بشكل طبيعي.

على مستوى الإنتاج، يتعاون في هذا المشروع شركة Cine Land تحت إشراف رشيدة ضولا والصقلي، فيما تتولى SNRT توزيع الفيلم. وقد لاقى هذا التعاون دعماً قوياً من الجهات الإنتاجية الوطنية، مما يعكس أهمية تعزيز الإنتاجات السينمائية المحلية والمساهمة في دعم الأعمال الفنية الجادة التي تعكس الواقع الاجتماعي المغربي.

عنوان الفيلم “خارج التغطية” ليس مجرد عنوان ساخر، بل يعبر عن حالة من الانفصال التي قد يعيشها أفراد الأسرة بسبب تزايد استخدام التكنولوجيا. يسلط الفيلم الضوء على هذه الظاهرة بشكل فكاهي، ولكنه أيضًا يوجه دعوة قوية للعودة إلى الروابط الإنسانية الحقيقية، والتواصل المباشر بين أفراد الأسرة بعيدًا عن العوالم الافتراضية. في خضم هذا التوتر بين التقنيات الحديثة والتمسك بالتقاليد البسيطة، نجد أن الفيلم يقدّم لنا فرصة للتأمل في كيفية تأثير التكنولوجيا على علاقتنا بالعالم من حولنا، وكيف يمكن العودة إلى الطبيعة وإيجاد التوازن الداخلي.

الفيلم المغربي "خارج التغطية" رحلة كوميدية تعكس التحديات الاجتماعية للأسرة المغربية