يستقبل المغاربة شهر رمضان المبارك بمزيج من العادات العريقة والمظاهر الروحانية، حيث يتحول هذا الشهر إلى مناسبة دينية واجتماعية تعكس تماسك المجتمع المغربي وتقاليده المتوارثة. تتنوع الطقوس التي تميز الاستقبال، إذ تحظى رؤية الهلال بأهمية خاصة، ويترقب الجميع إعلان بدايته بفرح غامر، بينما تعم الفرحة الأجواء مع بدء الاستعدادات لهذا الشهر الفضيل.
مع اقتراب الشهر الكريم، يتجدد تقليد عريق يتمثل في إطلاق النفير سبع مرات فور التأكد من ثبوت رؤية الهلال، ليُعلن رسمياً قدوم رمضان. يطلق المغاربة على هذا الشهر اسم “سيدنا رمضان”، وهو تعبير عن مكانته الرفيعة في قلوبهم، إذ يرتبط بالمغفرة والعبادات والتآلف الأسري. يؤدي “النفّار” دوراً أساسياً في الأجواء الرمضانية، حيث يجوب الأحياء الشعبية خلال وقت السحر، مستخدماً مزماراً تقليدياً ينفخ فيه لإيقاظ العائلات، كي تتمكن من تناول السحور والاستعداد ليوم الصيام.
يحرص النفّار على ارتداء زيه التقليدي، المكوّن من الجلباب والعمامة، مما يضفي لمسة تراثية على الأجواء، ويجعل حضوره رمزاً رمضانياً متجذراً في الذاكرة الشعبية. لا تقتصر الاستعدادات على ذلك، بل تشمل أيضاً الحرص على تجهيز موائد السحور بأطباق خفيفة تمد الصائم بالطاقة، مع ترديد الأدعية والتسابيح استعداداً ليوم جديد من الصيام. يولي المغاربة أهمية للزي التقليدي خلال رمضان، حيث يفضل الرجال الجلباب المغربي بألوانه المتنوعة، بينما تتزين النساء بالقفطان أو التكشيطة، مما يخلق أجواء احتفالية تبرز الهوية الثقافية المغربية.
من بين العادات الجميلة التي تميز المجتمع المغربي خلال هذا الشهر، عادة “تخياط رمضان”، التي تهدف إلى تشجيع الأطفال على الصيام بطريقة تدريجية. يبدأ الطفل بصيام نصف يوم فقط، ثم تزداد المدة تدريجياً، حتى يتمكن من إتمام يوم كامل، مما يعزز قدرته على الصيام بشكل كامل في السنوات القادمة. ترتبط هذه العادة بفكرة رمزية تتمثل في أن الطفل “يخيط” أيام صيامه شيئاً فشيئاً، حتى تكتمل الخياطة مع مرور السنوات، مما يجعل الأمر أكثر تحفيزاً للأطفال.
يتبادل المغاربة خلال هذا الشهر عبارات تهنئة تحمل معاني التقدير والود، حيث تعد عبارة “عواشر مبروكة” أو “مبروك العواشر” من أكثر العبارات تداولاً. يرتبط هذا التعبير بتقسيم رمضان إلى ثلاث مراحل رئيسية، حيث تُخصص العشرة أيام الأولى للرحمة، بينما تمثل العشرة الثانية المغفرة، وتأتي العشرة الأخيرة للعتق من النار. تضفي هذه التهاني دفئاً خاصاً على الأجواء، وتساهم في تعزيز الروابط بين الأفراد، حيث يحرص الجميع على نشر الفرح والتسامح خلال الشهر الكريم.
تنعكس القيم الاجتماعية الرفيعة في مظاهر العطاء، حيث تنتشر موائد الإفطار المجانية في مختلف المدن، لاستقبال الصائمين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم في وقت الإفطار. تعتبر هذه المبادرات من أبرز معالم رمضان، إذ تعكس روح التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وتساهم في ترسيخ ثقافة العطاء والإحسان. يحرص الكثيرون على تقديم المساعدات للأسر المحتاجة، من خلال توزيع المواد الغذائية أو تنظيم مبادرات خيرية، مما يعزز مكانة الشهر كفترة للتكافل والتراحم.
لا تقتصر الأجواء الاحتفالية على الكبار، بل تشمل الأطفال الذين يخوضون تجربة الصيام لأول مرة، حيث يحظون باهتمام خاص وتشجيع من قبل عائلاتهم. تقام احتفالات رمزية تُشبه حفلات التتويج، حيث يرتدي الطفل لباساً تقليدياً ويُكرّم بأطباق مميزة وهدايا صغيرة، تشجيعاً له على مواصلة الصيام في الأعوام القادمة. تشكل هذه العادة فرصة لترسيخ القيم الدينية منذ الصغر، حيث يشعر الأطفال بالفخر والاعتزاز بقدرتهم على الصيام، مما يعزز لديهم حب الشهر الكريم وأجوائه المباركة.
1
2
3